آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

أسئلة الإرهاب

اليمن اليوم-

أسئلة الإرهاب

عمرو الشوبكي
بقلم : عمرو الشوبكي

تثير ظاهرة الإرهاب فى العالم كله تساؤلات أكثر مما تقدم إجابات، فكل دولة واجهت الإرهاب طرحت على نفسها أسئلة حاول علماء الاجتماع والسياسة والخبراء النفسيون والأمنيون الإجابة عنها، ولم يبدأوا بالقول إن «كله تمام» والمجتمع صحى والنظام بخير والدولة قوية، إنما ناقشوا أسباب المرض ولماذا الإرهاب والإرهابيون ولماذا الانتحاريون؟ وبعدها تكون الإجابة كيف يمكن مواجهتهم، أما البدء بالإجابات السهلة بأنهم قتلة ومجرمون وخارجون عن صحيح الدين ولابد من إعدامهم جميعا دون أى جهد لمعرفة أسباب تحولهم للإرهاب لن يجعلنا ننتصر فى حربنا على الإرهاب.

والحقيقة فقد ظلت نظم كثيرة محلية وعالمية تهرب من الإجابة عن سؤال من المسؤول عن الإرهاب، ففى نهايات القرن الماضى اعتبرت النظم العربية فى مجملها وفى القلب منها نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك أن الغرب والسياسات الأمريكية والإسرائيلية هى المسؤولة عن تصاعد الإرهاب فى المنطقة، فى حين اعتبر الرئيس الأمريكى جورج بوش أن غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان هو السبب وراء تصاعد الإرهاب، ووجه نقدا للنظام المصرى فى مؤتمر شهير فى شرم الشيخ حضره مبارك واضطر على أثره للخروج من القاعة وترك الرئيس الأمريكى يخطب وحده.

وعقب الثورات العربية وسقوط نظم عربية كثيرة تصاعد دور تنظيم داعش فى أكثر من بلد عربى ونجاحه فى السيطرة على مساحات واسعة من سوريا والعراق (قبل الهزائم الأخيرة) وأيضا قيام خلاياه بالعديد من العمليات المؤلمة فى مصر وتونس وتركيا وألمانيا وفرنسا وأمريكا وبلجيكا وغيرها وأصبح سؤال «من يتحمل المسؤولية» حاضرا مرة أخرى بقوة.

والمؤكد أن هناك تيارا مؤثرا، وربما مسيطرا على مراكز كثيرة من صنع القرار فى العالم ومنها أمريكا ترامب مثلا ترى ببساطة أن الإسلام كدين وكنصوص دينية هو المسؤول عن الإرهاب وأن الحل هو فى منع المسلمين من دخول أمريكا، ومواجهة ليس فقط الإرهابيين إنما أيضا المسلمين فى كل العالم، حتى وصل الأمر بنائب بلجيكى شهير أن حمل نسخة من القرآن الكريم فى جلسة علنية للبرلمان واتهمه بأنه «مصدر كل الشرور».

وبالتوازى مع هذا الحديث الغربى فى إدانة الإسلام والمسلمين ظهر الحديث العربى والمصرى فى إدانة التفسيرات المنحرفة للنص الدينى وكتابات ابن تيمية ومن سار على دربه كمصدر للشرور وطالب بالإصلاح الدينى، وتراجع الحديث عن مسؤولية الواقع الاجتماعى والسياسى وغياب دولة القانون العادلة عن تصاعد الإرهاب.

والواقع أن النقاش حول من المسؤول عن الإرهاب: النص الدينى أم السياق الاجتماعى والسياسى المحيط هو نقاش ارتبط بالتحولات التى أصابت التيارات الإسلامية المتطرفة، فقد بدأت ظاهرة العنف الدينى منذ منتصف الستينيات على يد أفكار سيد قطب وكتابه الشهير معالم فى الطريق، ثم ظهر مع بداية السبعينيات تنظيما الجهاد والجماعة الإسلامية فى مصر اللذان دخلا فى مواجهات دموية مع النظام القائم وصلت حتى اغتيال الرئيس السادات، ثم ظهرت الجماعة الإسلامية المسلحة فى الجزائر التى دخلت فى مواجهات عنيفة ودموية ضد الدولة الجزائرية انتصرت فيها الأخيرة بجروح كثيرة، كما ظهرت «الجماعة السلفية الجهادية فى بلاد المغرب الإسلامى» فى تسعينيات القرن الماضى ومارست عنفا داخل بلاد المغرب العربى وأفريقيا.

وحين كان يسأل أى باحث عن دوافع الإرهاب فى ذلك الوقت كان النص الدينى حاضرا بقوة فى الإجابة، فقد امتلكت هذه الجماعات نمطا فكريا وعقائديا متكاملا يدور حول مفهوم الحاكمية لله واعتبار كل القوانين الإنسانية والوضعية هى خروج عن أحكام الشريعة، وأن النظم القائمة هى نظم جاهلية لا تطبق أحكام الله، ولذا وجب تكفيرها وإسقاطها بالعنف، وأن مدخل أى عضو للانضمام إلى التنظيمات الجهادية الكبرى كان يبدأ بالإيمان بنسق عقائدى متكامل مستند إلى تفسير خاص للنص الإسلامى يدفع العنصر بعد سنوات من الانخراط فى التنظيمات الجهادية إلى ممارسة العنف والإرهاب فى مواجهة ما كان يعتبره «النظم الكافرة» والمجتمع الجاهلى.

صحيح أن هذه المفاهيم مثلت نوعا من الانحراف الفقهى والعقائدى عن صحيح الإسلام، وسبق أن دحضها علماء كثيرون، إلا أنها ظلت الدافع الرئيسى وراء انضمام الكثيرين لتنظيمات العنف، وأيضا أساس التوبة والتوقف عن ممارسة العنف.

وقد تغير الأمر مع بدايات العقد الماضى، حين تراجع دور النص الدينى كمحدد أساسى فى عملية التجنيد لتنظيمات القاعدة ثم داعش لصالح التأثير الكبير للسياق الاجتماعى والسياسى المحيط.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أسئلة الإرهاب أسئلة الإرهاب



GMT 09:45 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

فرصة غنيم

GMT 02:50 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

قرار شجاع ولكن

GMT 23:18 2019 الأحد ,03 شباط / فبراير

حقوق الإنسان

GMT 01:45 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

لماذا لم نعد نخاف؟

GMT 04:16 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

بطولات وسط المحنة!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 05:05 2018 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في ذمار الخميس

GMT 15:08 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

الهومنتمن اللبناني يتأهل لنصف نهائي البطولة العربية للسلة

GMT 05:10 2016 الخميس ,14 إبريل / نيسان

أفضل 10 أغذية لمكافحة السرطان

GMT 14:43 2016 الجمعة ,08 إبريل / نيسان

بيومي فؤاد في البرنامج الساخر "أشرف يقدمه أيمن

GMT 11:31 2018 الجمعة ,06 إبريل / نيسان

غريفيث يزور مسقط غدًا السبت لإنعاش المفاوضات

GMT 23:34 2017 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

بدء عرض مسلسل "الرحايا" على قناة On drama

GMT 13:20 2019 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

ريم عرنوق توقع مجموعتها القصصية "حرملك"

GMT 14:15 2017 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

تبادل رفات ضحايا حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon.
Beirut, Beirut Governorate, Lebanon