آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

مشروع قومي لرفع المعاناة

اليمن اليوم-

مشروع قومي لرفع المعاناة

بقلم : محمد صلاح

مصر بلد كبير تجاوز عدد سكانه المئة مليون، يعانون ازدحاماً في ربوعه، إذ يعيشون على أقل من عشرة في المئة من مساحته، وتسببت الزيادة السكانية الرهيبة على مدى عقود في تعقيد أزمات ومشاكل يمكن أن تمر بمجتمعات ودول أخرى وتُحل من دون جهود كبيرة أو موازنات ضخمة، لكنها في مصر تتعقد أكثر، حتى أن بعضها يتحول واقعاً يعيشه الناس، ويتعاملون معه وكأنه من مفردات الحياة.

 طبيعي أن يغضب الناس في مصر كلما أقدمت الحكومة على رفع أسعار سلعة أو بدل خدمة، وأن يجتهدوا في طرح بدائل يعتقدون بأن تطبيقها يخفف الضغوط على الموازنة العامة للدولة، وفي الوقت نفسه لا يضع أعباء كل فترة على المواطنين. ومنطقي أن يشرح الحكم حقيقة الأوضاع وخطورة التباطؤ، وتأكيد أن التأخر أو التلكؤ في الإصلاح يهدد تماسك الدولة، بل وبقاءها، ومناشدة المواطنين الصبر وشكرهم على صمودهم وتعاونهم وحرصهم على بلدهم. ومنذ تولى عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم قبل أكثر من أربع سنوات وهو يتبنى خطة طموحة لإعادة تأهيل البنية التحتية في البلاد، وكذلك إقامة مشاريع قومية كبرى لتحديث الدولة وجذب الاستثمارات وتغيير أنماط الحياة وتطوير أساليبها. وكل من يعيش في مصر، باستثناء «الإخوان» طبعاً، يشعر بمدى التحسن الكبير في مستوى الخدمات والطرق والبنية الأساسية، وغياب أزمات ظلت تمثل معضلات للمواطنين، كاختفاء الخبز أو أنابيب الغاز أو ندرة سلع ضرورية من الأسواق، وبمرور الوقت ستتغير ملامح الحياة في مصر بعد الانتهاء من مشاريع عملاقة في غالبية المحافظات.

 لكن معاناة المواطن المصري لا تقف فقط عند مسألة الأسعار أو انتظار فوائد المشاريع الضخمة، وإنما تتحول ضنكاً كلما وجد نفسه مضطراً للتعامل مع الجهات الإدارية الحكومية لإنهاء إجراء فرضته الظروف عليه أياً كانت المحافظة أو المدينة التي يقيم فيها أو نوع المعاملة التي يسعى إلى إنهائها لا فرق!. هنا دعكَ من الآلة الإعلامية الإخوانية أو المنصات التي تنفق عليها قطر أو القنوات التي تُبث من تركيا، وتنشر الإحباط وتبث اليأس بين الناس وتكذب وتفبرك وتحول الأفراح مآتم والنجاح فشلاً، فـ «الإخوان» وكل الجهات التي تدعمهم، يسعون إلى هدم الدولة المصرية على من فيها وليس علاج الأخطاء أو تداركها، وهدفهم دائماً الانتقام من الشعب المصري الذي ثار على حكم الجماعة وأطاح أحلامها في البقاء طويلاً على رأس السلطة، والانطلاق من مصر لحكم بقية الدول العربية.

لا ينتظر المواطن المصري خفضاً في أسعار أي سلعة، فهو يدرك أن سعر السلعة الذي يرتفع لن يعود إلى الانخفاض، لكنه يتطلع إلى تطوير الخدمات وتسهيل الحصول عليها وتفادي «البهدلة» والمعاناة كلما تردد على مصلحة حكومية أو إدارة محلية. وإذا كانت الدولة ترصد بلايين الجنيهات لإنهاء مشاريع ستعود، بالتأكيد، بالفائدة على المواطن في المستقبل، فإن الغريب أن التردي في مستوى الخدمات مازال على حاله على رغم أهمية الأمر وإمكان طرح حلول بقليل من النفقات وكثير من الانضباط وإلزام الموظفين الحكوميين بالقانون وحُسن التعامل مع المترددين على هذه المصلحة الحكومية أو تلك.

تعاني مصر بكل وضوح تردياً رهيباً في مستوى الأداء الحكومي، خصوصاً في القطاعات ذات العلاقة بالتعامل المباشر مع المواطنين الذين لا يعانون فقط روتيناً وإجراءات معقدة، وإنما أيضاً تعذيباً في الحصول على الأختام والأوراق الرسمية قد يصل إلى حد التعامل المهين! قبل نحو أربعة عقود، أطلق الرئيس الراحل أنور السادات ما سماه «الثورة الإدارية» لكنها ظلت مجرد شعار لا يطبق، بل تحولت مجالاً للسخرية من مواطنين لا يجدون في كل مصلحة حكومية إلا تعقيداً وقلة حيلة. إذا اضطر مواطن مصري لتسجيل أو بيع عقار، أو تجديد بطاقة الهوية أو نيل حقه في مكافأة التقاعد، أو التعامل مع التأمينات الاجتماعية أو الشهر العقاري، أو تجديد رخصة قيادة سيارة أو الحصول على شهادة وفاة، أو حتى ذهب ليسدد قيمة الضريبة العقارية، فإن عليه أن يمر برحلة شاقة وظروف قاسية تفوق قسوة الأسعار المرتفعة والبنية التحتية المتهالكة. يحتاج السيسي إلى مشروع قومي لرفع المعاناة عن المواطنين عند تعاملهم مع دولاب الإدارات الحكومية ومن دون مبالغ ضخمة أو موازنات عالية، لكن عائدها من رضا الناس وراحتهم سيكون كبيراً.

المصدر: جريدة الحياة

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشروع قومي لرفع المعاناة مشروع قومي لرفع المعاناة



GMT 04:53 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتانياهو يعمل لنفسه فقط

GMT 04:52 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حروب الاستديوهات

GMT 04:50 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور سعيد إسماعيل على.. وجدوى الكتابة

GMT 04:48 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل الثورتين

GMT 04:46 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الأراجوز في اليونسكو..
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 17:02 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 12:33 2016 الثلاثاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

جنجاة تُبيّن القاتل الحقيقي لشقيقتها سعاد حسني

GMT 19:25 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كريم وليد يتوج ببرونزية بطولة العالم للكاراتيه

GMT 07:31 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

نورا سيد تاريخٌ طويل في عالم تصميم الإكسسوارات

GMT 05:32 2018 الأحد ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

"ناسا" تحذر من اقتراب كويكبين عملاقين من الأرض

GMT 05:30 2018 الخميس ,06 أيلول / سبتمبر

أساليب مكياج دافئة لإطلالة مُميزة في فصل الخريف
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon.
Beirut, Beirut Governorate, Lebanon