آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

لماذا لم تنشأ قضية سوريّة؟

اليمن اليوم-

لماذا لم تنشأ قضية سوريّة

بقلم/ حازم صاغية

وفقاً للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، هناك اليوم خمسة ملايين لاجئ سوري خارج سورية، وأكثر منهم داخل سورية. أي أن نصف السوريين مقتلعون من بيوتهم، وقرابة ربعهم مقتلعون من بلدهم. أغلب الظن أن الأرقام مقتصدة، لكنْ لا بأس.

المدهش ليس العدد الضخم وحده، فآلة القتل الأسدية– الروسية– الإيرانية قادرة، بالطائرات والكيماوي والبراميل، وبالقصف والغزو على ذلك. المدهش أن هؤلاء الملايين لم يصنعوا في العالم «قضية سورية»، علماً بأن الاقتلاع السكاني، من أرمينيا ومن فلسطين ومن سواهما، لعب دوراً ملحوظاً، مادياً ورمزياً، في التأسيس لـ «قضايا» تلك الشعوب المنكوبة. وقد نشأ من القضايا ما كبر على حساب شعب القضية نفسه. المثال الفلسطيني ساطع في هذا المجال، حيث كثيراً ما سار قتل الفلسطينيين والتشدق بقضية فلسطين يداً بيد!

ما يرفع درجة الإدهاش أن النزوح السوري ترك تأثيرات كونية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. لقد صار أحد البنود في الحملات الانتخابية لعدد من بلدان أوروبا، كما بات يتصل بصعود اليمين الشعبوي فيها.
مع ذلك، لم تنشأ قضية سورية تحرك العالم، كي لا نقول: تهزه. أمر النزوح غلب عليه التعاطي التقني والإجرائي، وفي أحسن الأحوال: الإنساني. أما سياسياً وأيديولوجياً، فالنتيجة غير مشجعة.

سبب ذلك، على الأرجح، كامن في وقوع الثورة السورية خارج الثنائيات المألوفة التي انشطر حولها عالمنا العناصر، كما استقطبت كماً ضخماً من الأفكار والعواطف. فهي ما يصعب ربطه بمألوف الثنائية اليمينية– اليسارية، الأمر الذي يفسر توافق التيارات الأعرض في اليمين واليسار على موقف يتراوح بين تجاهلها السينيكي ومناهضتها اللئيمة. لقد استحالت السيطرة التأويلية على «غموض» الثورة قياساً بتلك الثنائية.
كذلك، وعلى عكس المسائل الأرمنية والفلسطينية والكردية، ليست الثورة السورية ثورة قومية، ولا الموضوع القومي مطروحاً فيها أصلاً. إنها بين سوريين عرب وسوريين عرب، على رغم التقاطع مع المشكلة الكردية في سورية التي، على أهميتها، لا تموه محط التركيز الأصلي.

فوق هذا، فالقرابة التقليدية بين الثورة الديموقراطية وحقوق الأقليات لا تصح في الثورة السورية. هنا تتبدى المشكلة من طبيعة مختلفة تماماً: الأكثرية هي نفسها الأقلية السياسية التي يقع عليها معظم القمع والاضطهاد.

والراهن أن الدور الذي لعبته الحركات الإسلامية المتطرفة في السنوات الثلاث الماضية زاد الصعوبات جميعاً. لقد صارت الثورة السورية أقل قابلية للاندراج في أي من التأويلات والثنائيات المألوفة.
صحيح أن عدداً من المثقفين السوريين بذلوا جهوداً جدية ووجيهة لربط ما يجري في بلادهم بانقسامات ومعانٍ أعرض. لكن تلك الجهود لم تجذب الاهتمام الذي تجذبه صورة لمسلحات كرديات يقاتلن «داعش»: هنا، يسهل إدراج الموضوع، وغالباً بخفة دعائية، في النضال لتحرر المرأة، وفي المعركة ضد الظلامية، وفي حق تقرير المصير. إنه قابل للإدراج في ما هو معروف ومألوف.

السبب الأهم الذي جعل الثورة السورية «غير مفهومة»، وحال دون ولادة «قضية سورية»، هو أنها تشبه الماضي الأوروبي السحيق. تشبه ثورة سبارتاكوس في روما. تشبه مطالبة العبيد بالكرامة والإنسانية. وهذا ما بات ماضياً أركيولوجياً في الغرب الذي يصنع القضايا كما يصنع الصور. والمسألة لم تصبح هكذا إلا لأن نظام الأسد بات، في العالم، ماضياً أركيولوجياً.

تتضاعف صعوبة التعرف إلى ثورة السوريين بصفتها هذه لسبب آخر: أن الغرب اليوم ليس مطمئناً تماماً إلى مستقبله. صحيح أنه غير مهدد بالرجوع إلى ما يشبه العبودية الأسدية، لكنه أيضاً غير واثق من أنه يمتلك حاضره. شعور كهذا يُضعف القدرة على التفكير والفهم، لكنه أيضاً يجفف القدرة على التعاطف.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا لم تنشأ قضية سوريّة لماذا لم تنشأ قضية سوريّة



GMT 23:00 2021 السبت ,08 أيار / مايو

أخبار من سورية وفلسطين

GMT 17:06 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يريد الاحتفاظ بنفط سورية

GMT 16:57 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دونالد ترامب لن ينسحب من سورية

GMT 12:19 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إذ يقصّ علينا قاسم سليماني قصّة حربـ«نا»

GMT 06:43 2019 الأربعاء ,15 أيار / مايو

عيون وآذان (أخبار أجدها مهمة)
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 17:02 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 12:33 2016 الثلاثاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

جنجاة تُبيّن القاتل الحقيقي لشقيقتها سعاد حسني

GMT 19:25 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كريم وليد يتوج ببرونزية بطولة العالم للكاراتيه

GMT 07:31 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

نورا سيد تاريخٌ طويل في عالم تصميم الإكسسوارات

GMT 05:32 2018 الأحد ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

"ناسا" تحذر من اقتراب كويكبين عملاقين من الأرض

GMT 05:30 2018 الخميس ,06 أيلول / سبتمبر

أساليب مكياج دافئة لإطلالة مُميزة في فصل الخريف
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon.
Beirut, Beirut Governorate, Lebanon