آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

«الباب» والتموضعات الإقليمية الجديدة

اليمن اليوم-

«الباب» والتموضعات الإقليمية الجديدة

وليد شقير
بقلم : وليد شقير

تختبر وتختزل معركة الباب في شمال سورية وما يحيط بها من مناورات وتموضعات عسكرية وسياسية، الكثير من السياسات في هذه المرحلة من المأساة السورية المتواصلة.

فانتزاع المدينة من براثن «داعش» مقدمة ضرورية وحتمية لإطلاق معركة الرقة و «التخلص» من سيطرة التنظيم على معقل يوجه منه سائر عملياته، بموازاة معارك إنهاء وجوده في الموصل العراقية. إنهاء «داعش» هو الجامع المشترك لأقطاب المجتمع الدولي المختلفين على مقاربة الأزمة السورية. ومن الباب يتقرر مصير احتمال قيام منطقة آمنة في شمال سورية بعد أن يتم توسيع المستطيل الجغرافي الذي سيطرت عليه القوات التركية التي توغلت في الميدان السوري مع «الجيش السوري الحر» ضمن عملية «درع الفرات». وفي الباب يتكرس فصل تركيا المناطق الكردية التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية شرقاً، عن تلك الواقعة غرباً، للحؤول دون اكتمال الكيان الكردي المستقل الذي يسعى إليه قادة أكراد. وبالسيطرة على الباب تتحدد هوية الجهة التي تتحكم بالحدود السورية (الشمالية الغربية) مع العراق، التي كانت الميليشيات العراقية المدعومة إيرانياً تطمح للانتقال عبرها إلى سورية بحجة المشاركة في معركة الرقة، في إطار الحدود المفتوحة التي اعتمدتها طهران لتوسيع نفوذها الإقليمي، من طريق وصلها بالميليشيات التي تدعمها في بلاد الشام.

في معركة الباب ترتسم ملامح الأدوار التي تجيزها القوى الدولية الأقوى، وهي راهناً روسيا بالدرجة الأولى وأميركا بالدرجة الثانية، للقوى الإقليمية المتنافسة والمتعارضة الأهداف في الميدان السوري، فقرار موسكو إعطاء المساحة الأكبر لأنقرة في الشمال، عبر «الباب»، يؤشر إلى نية موسكو تقليص اتكالها على الحليف الإيراني القوي ما دام الأخير يمعن في السعي إلى فرض أجندته الخاصة، المتعارضة مع الطموح الروسي لصفقة مع إدارة دونالد ترامب، قد لا تتناسب مع تصاعد التوتر الأميركي- الإيراني.

وفي الباب أيضاً يتيح تقدم جيش نظام بشار الأسد نحو المدينة بمساندة «حزب الله» وسائر الميليشيات السورية الموالية، والإيرانية، للمشاركة في محاصرتها، اختبار مدى قدرة هؤلاء جميعاً على انتزاع المبادرة من الخصم التركي من جهة، ومدى تمكن موسكو من أن تشكل وسيطاً غير مباشر للتنسيق بين دمشق وأنقرة، وبين «الجيش السوري الحر» والجيش النظامي، على حرب مشتركة ضد «داعش»، من جهة ثانية. وهو مطلب روسي يؤيده بعض الدول الأوروبية منذ سنوات، بحيث تحولت محاربة «داعش» أولوية تتفوق على بحث مرحلة الحكم الانتقالي في الحل السياسي السوري، خلال جولات التفاوض الفاشلة من جنيف إلى آستانة. بل هي كانت حجة موسكو نفسها ضد المعارضة المعتدلة التي صنفتها تنظيمات إرهابية، ما لم تشارك في مواجهة التنظيم و «النصرة» (فتح الشام).

لطالما قيل إن ولوج المرحلة الجدية في القضاء على «داعش»، والاقتراب من الخلاص منه في الرقة، يقرّبان أجَل النظام ورأسه بعدما كرّس معادلة «إما الأسد وإما الإرهاب»، فالنجاح في ضرب «داعش» ينفي مبرر وجود الأول. وإسراع الجيش النظامي إلى الاشتراك في معركة الباب هو استلحاق من الأسد لنفسه حتى يصبح شريكاً في القضاء على «داعش»، بعدما كان شريكا في انتشاره.

يتهيأ جميع الفرقاء الدوليين والإقليميين لمرحلة ما بعد حسم معركة الباب، وبالتالي لمرحلة معركة الرقة. وما بينهما سيشهد تموضعات جديدة لهؤلاء الفرقاء في الداخل السوري، بالتناغم مع التغييرات المرتقبة على الساحة الدولية، وأبرز تجلياتها اعتبار ترامب، المقبل على تقارب مع فلاديمير بوتين في مقاربة الأزمات الدولية، أن إيران دولة راعية للإرهاب، وأن عليها، مع «حزب الله»، الخروج من سورية. وقد تقتضي أولوية «التخلص» من التنظيم، كما يقول الرئيس الأميركي الجديد، أن يرسل قوات على الأرض إلى سورية، بالاتفاق مع موسكو.

في وقت قررت طهران اتباع سياسة «الصبر» للتخفيف من لغة المواجهة مع ترامب، فإن هذا التوجه لا يعني سوى التأقلم بتقديم تنازلات قد تكون سورية ميدانها، إلا إذا اقتنعت بالتخلي عن مغامرتها في اليمن.

في هذه المعمعة المرتقبة، قد يكون على المعارضة السورية أن تتحسس مصيرها وهي تخوض مفاوضات آستانة الثانية وتتهيأ لخوض مفاوضات جنيف الجديدة المنتظرة في 20 الجاري. فإما أن تغرق مرة أخرى في سقطة غياب الوحدة بين مكوناتها لمصلحة التنافس على القيادة والتزعم بين رموزها، لتحصد الخيبة، لأن انقسامها السابق أتاح للقوى الإقليمية صاحبة الأجندات الخاصة أن تضعف موقعها التفاوضي، وإما أن يقدم هؤلاء الرموز التنازلات بعضهم لبعض لمصلحة خطة موحدة للمرحلة الحساسة المقبلة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الباب» والتموضعات الإقليمية الجديدة «الباب» والتموضعات الإقليمية الجديدة



GMT 01:15 2018 الجمعة ,24 آب / أغسطس

البقاء الأميركي في سورية الروسية

GMT 00:06 2018 الجمعة ,10 آب / أغسطس

إعمار سورية والعقوبات

GMT 14:10 2017 الجمعة ,06 كانون الثاني / يناير

لبنان بين الصعود النفطي والتراجع الإعلامي

GMT 14:40 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

بيع سورية بعد تدميرها

GMT 14:21 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

«فتوى» إيفاد حسون إلى لبنان
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 17:02 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 12:33 2016 الثلاثاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

جنجاة تُبيّن القاتل الحقيقي لشقيقتها سعاد حسني

GMT 19:25 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كريم وليد يتوج ببرونزية بطولة العالم للكاراتيه

GMT 07:31 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

نورا سيد تاريخٌ طويل في عالم تصميم الإكسسوارات

GMT 05:32 2018 الأحد ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

"ناسا" تحذر من اقتراب كويكبين عملاقين من الأرض

GMT 05:30 2018 الخميس ,06 أيلول / سبتمبر

أساليب مكياج دافئة لإطلالة مُميزة في فصل الخريف
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon.
Beirut, Beirut Governorate, Lebanon