آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

الحرّاقون

اليمن اليوم-

الحرّاقون

بقلم - سمير عطا الله

خلال الاحتلال النازي لفرنسا في الحرب العالمية الثانية، أصدر هتلر إلى جنراله في باريس أمراً بإحراق المدينة. تأمّل الجنرال تلك الشوارع والجادات، وقرر أن يعصي أمر القائد، ولو أدى ذلك إلى أن يُحكَمَ بالإعدام. كلّما شاهدت باريس تحترق، أتذكّر أنّ المحتل النازي كان ذات مرة أكثر رأفة بجمال وتاريخ هذه العاصمة، من المتمردين الّذين لا قضية لهم. قبل نصف قرنٍ تماماً، شاهدت طلاب فرنسا يقلبون الأرصفة ويحرقون السيارات ويرشقون المحال بالحجارة. وقد انتهى ما سُمّي يومها «الثورة الطلابية» إلى لا شيء سوى الخراب.

مرّة أخرى باريس تحترق، بلا هدفٍ ولا غاية ولا قضية. مجموعة غريبة من اليمين واليسار وغير المسيسين تمارس عنفاً لا مبرر له. والمحيّر أو الغامض أن الحركة الحالية ليس لها محرّك ظاهر مثل أحداث 1968. وليس لها أيضاً وجهٌ أو وجوهٌ بارزة مثل تلك المرحلة، فلا أدباء مثل جان بول سارتر، ولا ماركسيون مثل آلان كريفين، ولا محرّضون مثل كوهين بنديت. قد يبرز في الأيام المُقبِلة وجهٌ ما أو محاور ما. ولكن حتى الآن ليس مِنَ المعروف مَن هو الطرف الذي على الرئيس إيمانويل ماكرون أن يخاطبه.

ينسى الفرنسيون أن باريس ليست مدينتهم وحدهم. لطالما كانت ملاذ أصحاب الأسماء الكبرى في التاريخ. منها بدأت شهرة ليوناردو ديفينشي، وبيكاسو، وجيمس جويس، وعالمة الفيزياء الشهيرة مدام كوري. ومن مدينة الآداب والفنون هذه حصد الفرنسيون في القرن الماضي جائزة نوبل للآداب 12 مرة، متفوقين بذلك على جميع شعوب العالم. وهؤلاء الشبّان الّذين ينزلون إلى الشوارع غاضبين، ينتمون إلى مؤسسات تعليمية لا مثيل لها في العالم.

اتفق العالم أجمع على أنها «عاصمة الثقافة في العالم»، لكنّ ما تبنيه من شهرة خلال قرون، ومن جمالٍ ومن انفتاح، يدمّره فريق من الحرّاقين في أمسية واحدة. ألم يكن في إمكان هذه النخب الفرنسية أن تقيم المعارضة على الحكومة، من خلال القنوات الإعلامية والمؤسسات والمعاهد والأحزاب، وهي كثيرة؟

يشعر الغرباء بالحرص على جمال المدينة أكثر من هؤلاء المعتدين الّذين يحملون جنسيتها. ففي كل مرحلة يخرج من يلوّث سمعتها ويسيءُ إلى مستقبلها. وتأتي هذه الحرائق الآن في أسوأ اللحظات وأفضل الفرص. فقد كانت باريس تأمل أن تحلَّ محل لندن الخارجة من أوروبا، في اجتذاب الاستثمار والشركات الكبرى والبنوك، مما يساعدها على استعادة شيء من الازدهار الذي كانت تنعم به. لكنّ الحرّاقين، أياً كانوا، يحرقون في طريقهم جسور الأمم نحو الطمأنينة القومية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرّاقون الحرّاقون



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 14:53 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

مقتل مغني الراب الأميركي إكس إكس تنتيشن في فلوريدا

GMT 19:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

اخبار جيدة ورابحة في هذا الشهر

GMT 17:23 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

7 فوائد جمالية لفاكهة الرمان

GMT 15:27 2016 الخميس ,17 آذار/ مارس

إطلاق أكاديمية نون العام الدراسي المقبل

GMT 14:18 2016 السبت ,09 إبريل / نيسان

طائرات هليكوبتر روسية محمية من صواريخ الكتف

GMT 00:00 2018 السبت ,22 أيلول / سبتمبر

هل العلاج النفسي مهم لصحة طفلك؟

GMT 09:38 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

نجا سعادة يطلق مجموعته للأزياء " Ready Couture"

GMT 02:22 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

تعرف على مواصفات سيارة بورش 911 كابريو الجديدة

GMT 01:22 2016 الجمعة ,15 إبريل / نيسان

الرئيس الفرنسي يعلن أن طرد80 من دعاة الحقد

GMT 12:33 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب يحذر من "قنبلة" تهدد الأمن القومي في أفريقيا

GMT 02:34 2020 الإثنين ,06 تموز / يوليو

كيكة الليمون خفيفة وشهية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon.
Beirut, Beirut Governorate, Lebanon